تاريخ صناعة النحاس في مصر: رحلة من كنوز الفراعنة إلى تحف خان الخليلي

تُعدّ صناعة النحاس في مصر واحدة من أغنى وأقدم الحرف في تاريخها، فهي حكاية تمتد لآلاف السنين. هذه الصناعة ليست مجرد حرفة، بل هي شاهد على عبقرية الحرفيين المصريين وقدرتهم على الابتكار، بداية من مناجم سيناء القديمة وصولًا إلى ورش القاهرة الإسلامية والصناعات الحديثة. دعنا نغوص في هذا التاريخ العريق.

البدايات المزدهرة في مصر القديمة

تعتبر مصر من أوائل الدول التي عرفت صناعة النحاس، حيث بدأ استخدام هذا المعدن الحيوي في العصر الحجري الحديث حوالي عام 4000 قبل الميلاد.

• مصدر الخام: كان المصريون القدماء يستخرجون خام النحاس بشكل أساسي من مناجم سيناء، وتحديدًا من منطقتي سرابيط الخادم ووادي المغارة، وكانت بعثات التعدين تُنظم تحت إشراف الدولة الفرعونية مباشرة.
• تقنيات الصهر: طوّر الحرفيون أفرانًا بدائية لصهر الخام، معتمدين على الفحم النباتي للوصول إلى درجات الحرارة العالية اللازمة لهذه العملية.
• استخدامات متعددة: استخدم الفراعنة النحاس في كل جوانب حياتهم تقريبًا، فشكّلوا منه الأدوات الزراعية، والأسلحة كرؤوس الحراب والسهام، بالإضافة إلى أدوات الزينة والأواني المنزلية.
• إبداع فني: لم يقتصر الأمر على الأدوات الوظيفية، بل برع المصريون القدماء في تشكيل النحاس بمهارة فنية فائقة، وزخرفته بالنقش والتطعيم بالذهب والفضة والأحجار الكريمة.

الاستمرار والتطور في العصور اللاحقة

استمر الاعتماد على النحاس خلال العصور اليونانية والرومانية، وازدادت أهميته مع الحاجة المتزايدة لصناعة العملات المعدنية والأدوات المنزلية.

وفي العصر الإسلامي، شهدت صناعة النحاس ازدهارًا كبيرًا، وأصبحت الفسطاط والقاهرة مراكز رئيسية لهذه الحرفة. ظهرت ورش متخصصة أبدعت في:

• صناعة الأواني النحاسية المزخرفة بالنقوش العربية والخط الكوفي.
• صناعة المشكاوات، الثريات، والأبواب النحاسية المزخرفة التي زينت المساجد والقصور.

لتغطية الطلب المتزايد، ازدهرت تجارة النحاس، وكان يتم استيراد الخام من مناطق مثل قبرص وبلاد المغرب.

من الحرف التقليدية إلى الصناعة في العصر الحديث

حتى يومنا هذا، ما زالت صناعة النحاس اليدوية تحتفظ بمكانتها. في مناطق أثرية مثل خان الخليلي وشارع المعز بالقاهرة، يمكنك أن ترى الحرفيين وهم يصنعون التحف الفنية يدويًا باستخدام الأدوات التقليدية المتوارثة. هذه المنتجات اليدوية تظل رمزًا أصيلًا للتراث المصري في الأسواق السياحية.

في نفس الوقت، تطورت الصناعة لتصبح جزءًا من الصناعات المعدنية الكبرى في مصر. فأصبح النحاس مكونًا أساسيًا في:

• الأسلاك والكابلات الكهربائية: نظرًا لجودته العالية في توصيل الكهرباء.
• الصناعات الثقيلة: حيث أنشأت الدولة مصانع متخصصة في صهر وتدوير النحاس لتلبية الطلب المحلي والتصدير.

تراث يتجدد

منذ آلاف السنين وحتى اليوم، بقيت صناعة النحاس في مصر شاهدًا على تاريخ طويل من الإبداع. لقد تحولت من حرفة بدأت في مناجم سيناء القديمة وازدهرت في أسواق القاهرة الإسلامية، لتصبح اليوم مزيجًا فريدًا يجمع بين أصالة الحرف اليدوية وقوة الصناعات الحديثة.

هذا الإرث العظيم هو ما يلهمنا في Ankhegy، فالكثير من منتجاتنا المصنوعة من النحاس الأصفر (وهو سبيكة من النحاس) تحمل في طياتها روح هذه الحرفة المصرية الأصيلة.